Quantcast
Channel: البيان الرياضي
Viewing all articles
Browse latest Browse all 48084

سوسيولوجيا المشهد الرياضي الرياضة بروح اقتصادية/ سياسية

$
0
0

بين 27 يوليو و 12 أغسطس) يحتفل العالم وبريطانيا بأكبر حدث رياضي تشهده العاصمة لندن، وهو دورة الألعاب الأولمبية للعام 2012 التي يشارك فيها 10 آلاف رياضي و20 ألف صحفي وأكثر من 8 ملايين متفرّج. كما سيشارك في حفل الافتتاح 120 من قادة العالم وسط إجراءات أمنية مشدّدة لم تشهدها لندن من قبل. ففي العالم المعاصر باتت الأحداث الرياضية تحتلّ مكانة بارزة، وبات المشهد الرياضي يطغى أحياناً على ما عداه من أحداث سياسية وغير سياسية.

ولفهم تحوّل الرياضة في عصرنا هذا من عمل فردي وجماعي يُفترَض أن يبقى في حدود "العقل السليم في الجسم السليم" والتربية الجسمانية ونشر روح الإخاء والصداقة بين الأفراد والجماعات وتهذيب النفس عبر ما يُعرَف بالروح الرياضية، إلى حدث إعلامي صارخ ومجال تجاري تستثمر فيه مليارات الدولارات وتتنافس الدول الكبرى (والصغرى) على الاستيلاء على مردوده الاقتصادي والسياسي، لا بدّ من معرفة كيف اندمج النشاط الرياضي بالنسيج الاجتماعي الحديث، وهي كيفية تحتلّ حيزاً واسعاً في الدراسات السوسيولوجية .

بدليل هذا المقدار الهائل من الكتب والمجلات المختصّة. ففي العام 1998 خصّصت مجلة  "Manière de voir " الصادرة عن صحيفة "لوموند ديبلوماتيك" عدداً مزدوجاً (مايو ـ يونيو) حمل عنوان: "الرياضة والأهواء السياسية" (Football et passions politiques) أسهم فيه عدد كبير من المفكرين والصحافيّين الفرنسيّين في موضوعة العلاقة بين الرياضة والسياسة والاقتصاد.

ففي المجلة نفسها كتب رئيس تحرير صحيفة "لوموند ديبلوماتيك" أغناطيوس رامونيه تحت عنوان "كرة القدم هي الحرب" (Le football c’est la guerre): "لم يعد سلوك الرياضي المحترف قدوةً للروح الرياضية ولا حتى سلوكاً رياضياً، فقد بات خالياً من العفوية واللطف والدماثة. في المجتمع الحديث خرجت الرياضة من دائرة اللعب وغدت مجالاً قائماً بذاته لا مجال فيه لرياضي لطيف لا يُبالي بالفوز وسحق الخصم، بل عليه لكي يفوز أن يتصف بالشدّة والقسوة وبالدهاء والمكر إذا لزم الأمر". 
 
هذا المجال الجديد المستقل يقول فيه ستيفانو بيفاتو: "إن الرياضة الحديثة قامت على مجموعة من القيم والمبادئ التي قامت عليها الليبرالية الاقتصادية نفسها: السرعة، الدقة والإتقان، التخطّي الدائم للقدرات والطاقات الذاتية"
 
(راجع "قضايا الرياضة" بالفرنسية: Stefano Pivato, "Les enjeux du sport").
 
فقد وُلِدَت الرياضة الحديثة مع الثورة الصناعية، بحيث تندرج علاقة الجسم بنمط الإنتاج الرأسمالي من ضمن علاقة هذا النمط بكلّ شيء: الصناعة! إذ لم يعد التصنيع يقتصر على تحويل المواد الأولية إلى منتجات مصنَّعة، بل امتدّ إلى الطبيعة نفسها: في منطق التصنيع الرأسمالي أن الطبيعة نفسها لم تعد مقبولةً كما تقدّم نفسها ، بل لا بدّ من تصنيعها، وكذلك الجسم البشري فقد بات خاضعاً للتصنيع سواء من حيث الشكل والتجميل الخارجي أم من حيث المضمون وزراعة الأعضاء..إلخ. ولئن كان بناء الجسم هو دور الرياضة منذ القدم، فإن صناعته في العصر الحديث (الرأسمالي) غيّرت ذلك البناء جذرياً سواءً لجهة الغاية منه أم لجهة الأسباب الداعية إليه، وإن كان هذا النوع الجديد من الرياضة ما زال يُشبه الألعاب الأولمبية في نسختها الإغريقية القديمة وألعاب المصارعة حتى الموت التي كانت تقدَّم مشهداً لتسلية الإمبراطور الروماني والترفيه عنه.

وقد عبّر عن ذلك وزير خارجية نيجيريا هنري أدفوب Adefope : "القول بأن الرياضة والسياسة لا يتداخلان ينطوي على الكثير من المكر والتمويه. فالانتصارات الرياضية تستخدَم اليوم رافعة لعظمة بلد من البلدان". 
 
 ويقول جان ماري بروم وبرنار يانيز في كتابهما "الوظائف الاجتماعية للمباريات الرياضية"،
 
(بالفرنسية: Jean-Marie Brohm et Bernard Yanez, "Les fonctions sociales du sport de compétition", L’opium sportif, L’Harmattan, 1996): "رياضة المنافسة هي نظام مؤسّس من الممارسات الجسمانية التنافسية غرضها تسجيل رقم قياسي. وقد ازدهرت هذه الرياضة في ظل الرأسمالية الصناعية". ليست الرياضة إذاً مستقلةً عن طبيعة المجتمعات وأنماط إنتاجها، فالسمة الغالبة في الرياضة المعاصرة هي عبادة القوة والمنافسة المعمّمة في كلّ شيء. فلا يمكن للرياضة أن تشذّ عمّا تخضع له مختلف مرافق المجتمع الحديث: هيمنة المال، العنف والتمييز، التنافس على مرتبة الأقوى و الأول طبقاً لنموذج الكازينو حيث يكون الرابح واحداً والخاسرون كثر، وذلك كلّه يزعزع أركان المجتمع الحديث الذي بقي زمناً طويلاً يصوَّر بأنه قائم على مجموعة من القيم والفضائل التي يدافع عنها: الجدارة من داخل المساواة، واحترام القوانين. 
 
 ترافق بث الرياضة مع نموّ الرأسمالية ونمطها الإنتاجي. في النصف الثاني من القرن التاسع عشر انتشرت الرياضة في المرافئ الأوروبية مع وصول البواخر الإنكليزية إليها، فكان أن تألّف أول فريق كرة قدم في فرنسا في مدينة لوهافر الفرنسية الساحلية. ووصلت إلى بلادنا من ضمن ما وصل إليها مع الاستعمار من ممارسات وعادات اجتماعية (ومنها التدخين، كما يرى السوسيولوجي والأنتروبولوجي اللبناني فريديريك معتوق في كتبه "مرتكزات السيطرة") وأشكال تنظيم اجتماعي. أما أشكال الألعاب والممارسات الرياضية التي كانت قائمة في بلادنا قبل ذلك، فكانت ألعاباً شعبية وممارسات رياضية مختلفة جذرياً، شكلاً ومضموناً، عن تلك التي جاءت مع الاستعمار. وكانت الرياضة تحديداً بين ما حملته الإمبريالية إلى العالم الثالث بوصفه جزءاً من التصوّر الغربي لما يجب أن يكون عليه العالم، فكانت أول بلدان في العالم الثالث أقبلت على تشكيل فرق رياضية لها هي البلدان التي استعمرتها بريطانيا وفرنسا. 
 
 درس الفيلسوف وعالم الاجتماع الألماني يورغن هبرماس Habermas علاقة المؤسّسات الرياضية الحديثة بالسياسة، من خلال شبكة ثلاثية قوامها المال والسلطة والإعلام. وغاية هذه المؤسّسات هي إنتاج أرقام قياسية: فالرقم القياسي هو الدهشة السحرية التي تخلب لبّ المشاهد، والتي تصنع المجتمع المشهدي كما يقول المفكّر الفرنسي غي ديبور صاحب كتاب "المجتمع المشهدي" (Debord, La société du spectacle G): "المشهد هو رأسمال وقد بلغ حداً من التراكم بحيث غدا صورةً". الرقم القياسي مدّخرٌ في الأساس لسباق الخيل الذي يدرّ على الرابحين أموالاً كثيرة، بحسب لعبة السباق التي لها جمهور واسع في العالم. واليوم تحلّ الشركات محلّ الأحزاب والدول. فالفريق المنتصر أو الفرق المرشّحة للانتصار في ساحات المباريات الدولية (كرة القدم، سباق السيارات ـ فورمولا وان، كرة المضرب ـ لوران غاروس..إلخ) تحمل أسماء الشركات الراعية (سبانسورز): كوكاكولا، كوداك، نايك، نوكيا..إلخ. وكأن هذه الشركات هي المتبارية وهي التي تفوز، وتتوارى إلى الصفّ الخلفي أسماء الفرق الأصلية، كما تتوارى بخاصة صور اللاعبين أنفسهم وهوياتهم الذين لا دور لهم سوى تحقيق النصر لهذه الشركة أو تلك. 
 
 تحت عنوان "كم هو ثمن النصر؟" (?What price victory) كتب أندرو سترنكAndrew Strenk في مجلة "حوليات الأكاديمية الأميركية للعلوم السياسية والاجتماعية"

(Annals of the American Academy of Political and Social Science)

في عددها الصادر في سبتمبر (أيلول)1979: "بلغ الاستخدام السياسي للرياضة ذروته مع وصول أنظمة استبدادية إلى الحكم في أوروبا(الفاشية في إيطاليا، والنازية في ألمانيا)، حيث كانت هذه الأنظمة ترى أن الرياضة هي الفضاء الأمثل لتعبئة الروح القومية في شباب الوطن. ولم يتوقف استعمال الرياضة لأغراض سياسية بعد هزيمة النازية والفاشية؛ فالاتّحاد السوفياتي كان يستعمل كلّ الوسائل وأسوأ الأساليب لفبركة أبطال يحملون العلم السوفياتي في العالم. وأثناء الحرب الباردة قال الرئيس الأميركي جيرار فورد: "هل تدركون مدى أهمية أن نحقّق انتصارات رياضية ضدّ الأمم الأخرى(...)، فالأمم المتّحدة بوصفها الدولة الأولى في العالم يجب أن تحفظ مقامها وتحافظ على مكانتها(...)، وبالنظر إلى أهمية الرياضة، فإن النصر الرياضي يخدم الأمة تماماً كما يخدمها النصر العسكري". ويقول أغناطيوس رامونيه، في مقالته المذكورة أعلاه: "إن ملعب كرة القدم أشبه بمسرح تمثَّل عليه حرب مصغرة ذات قواعد محدّدة؛ وحيث إن كلّ لقاء رياضي هو مجابهة تتخذ شكل حربٍ ذات طقوس وشعائر محدّدة، فإن كرة القدم تشجّع كلّ الإسقاطات المتخيَّلة والأوهام القومجية". ففي العام 1964 أدّت المباريات التي جرت بين بيرو والأرجنتين إلى انفجار العداء الكامن بين البلدين وإلى سقوط 320 قتيلاً وأكثر من ألف جريح. وفي العام 1969 أدّت المباريات التي جرت بين سلفادور وهندوراس إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ثم إلى نشوب حرب بينهما انتهت باحتلال سلفادور جزء من أراضي هندوراس. ولعلّ أكثر الشعوب العربية إيماناً بالفكرة العربية والعروبة هما الشعبان المصري والجزائري، ومع ذلك فإن أول خلاف كروي بينهما أطاح بالفكرة والإيمان. 
 
 منذ بداية الستينيّات بدأت تظهر في ضواحي لندن فرق السكنهيد والهوليغانز التي تؤمن بقيمة عليا فوق كلّ القيم: العنف المجاني الرخيص. وهذه الفرق الهامشية التي ضمّت أبناء الأحياء الفقيرة جعلت من ملاعب كرة القدم أماكن وجودها المفضلة لإفراغ شحنة الاستياء والعدوانية التي تعتمل في دواخلها. ومنذ أن سقط 37 قتيلاً في ملعب هيسيل في بروكسيل قبل 27 عاماً، لم ينقطع مسلسل المآسي في ملاعب كرة القدم في العالم، بين مناصري مختلف الفرق المتبارية أحياناً، أو بينهم وبين قوى الأمن أحياناً أخرى، حتى باتت ملاعب كرة القدم أشدّ تحصيناً من القلاع العسكرية بكاميرات المراقبة وأجهزة الإنذار والاتصال الفوري بقوى التدخل السريع، في بريطانيا وفرنسا وتركيا واليونان وبلجيكا.. لكن في الوقت نفسه تمرّست فرق "الهوليغانز" و"السكنهيد" بهذا النوع من الصدامات وطوّرت خبراتها وصارت أكثر استعداداً وقدرة على خوضها. ومنذ مباريات كأس العالم في ميونيخ حينما خطف مقاومون فلسطينيّون أعضاء الفريق الإسرائيلي المشارك فيها، تحوّلت المباريات الدولية إلى مناسبات وفرص لتصفية حسابات سياسية كان آخرها استغلال المباريات التي جرت في بورسعيد وراح ضحيتها أكثر من 200 قتيل وجريح.


Viewing all articles
Browse latest Browse all 48084

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>